نص «مصير آدم»، بقلم شريف مصطفى!
عالم واسع، مخيف، حافل بتفاصيل عميقة تفوح ببراكين الحروب والنزاعات، أجزاء متباعدة، وصور مشوّهة، لطالما شعرت أني جاهل في هذا العالم، وأحياناً أحمد الله على نعمة الجهل؛ فما ما فائدة الدراية بأسباب الانهيار الاقتصادي أو اختفاء الديمقراطية؟! أنا جزء ضئيل لا ينتمي لهذه الأجزاء المتباعدة، وكأن انفجار الكون لشظايا سابق لأوانه قبل الموعد الآخر.
وإن كنت ضئيلاً في هذه التي يسمونها "دنيا" فما حجمي في العالم الآخر؟! سأجد روحي تسبح وسط عوالم لم أرها، في أبعاد أخرى تفوق بعد الزمن، عندها لن أكون ضئيلاً فحسب بل سأكون عدماً، ما هذا الخوف؟! ألهذا الحد تعانقني الوحدة ولا تتركني؛ فهي مصيري في أي عالم أتواجد فيه، حتى في خلودي سأكون وحيداً، وهل الخلود سيذيقني من لذة السُلطة؟! إن صرت خالداً فهذا يعني تفوّق قدرتي لكن في هذا العالم الذي أعيشه فقط، أمّا في حال خلود البشر أجمعهم فماذا لي من سُلطة أو قدرة؟!
ربما لن ينضب شعور الضآلة ما دمتُ موجوداً سواء في عالم اليوم أو عالم الخلود، لكن الشيء المغاير في العالم الآخر هو بعض الوضوح، فلا تناقض أو فروع، وإنما داران يسعان كل البشر، نعيم وجحيم، ضدان لا يتنافسان، وما من فرص لأحقاد أو ألاعيب، ربما كان هذا النعيم هو سُلطة المُصطفين على حساب المعظم، أحقاً ما من قدرة بشرية في هذا النعيم؟!
أدرك تفاوت درجات النعيم وهو منطقي لتفاوت نقاء الأرواح على الأرض، ولكن هل لهذا التفاوت من تنافس يبثّ الحقد ضد أصحاب الدرجات العلا؟! ونعيش مجدداً مشاعر مشابهة لهذه الدنايا في عالم اليوم؟! لا أعتقد ذلك، ربما سيكون لكل رابح نشوة رضا تغنيه عن أي حقد، وربما إجابة مطالب العقل في الحال ضرب من السُلطة، لكنها سلطة جماعية نالها ملوك الرحمة والوفاء على الأرض، لكن ألا يوجد في هذا العالم ما يسمى "اختلاف"؟! هذا الشيء الذي سبّب كل ما هو جميل وبشع في الدنيا، لعل هناك اختلاف آخر لا يسبّب إلا تلألؤ جمال النعيم.
كفاني حديث عن النعيم وكأني ضامن سلك طريقي إليه، فما زال في عمر الدنيا حواجز قد تصدّ روحي عن رؤية عالم النعيم من الخارج، وإن كان مصيري الجحيم فهل سيجمعنا-أصحاب النفوس النجسة- مشترك سوى العذاب اللانهائي؟! يا إلهي! التفكير في الخلود مُهلِك، صحيح أنهما فريقان فقط لكن قبول العقل تناقض الدنيا أرحم بكثير من قبوله خلود الآخرة. فليكفّ عقلي عن رسم مخاوفه، ولتكفّ نفسي عن طاعة أوامر السوء، وليكفّ قلبي عن بثّ سموم الحقد؛ كي تسبح روحي في ملكوت رحيم حتى لو كنت في هذا الملكوت مثلما كنت وسأكون دوماً:
وحيد، جاهل، ضئيل.
⇻⧫⇹⇹⇹⇹⧫⧪⧫⇹⇹⇹⇹⧫⇺
تعليقات
إرسال تعليق