قصة «شغفها الرحيل»، بقلم ابتسام تغزاوي!

نزعت عني تلك الاغطية الثقيلة ثم حملت نفسي الى الحمام, حاولت ان اتجاهل مجددا تلك المرآة اللعينة ,لكن رغبتي كانت اشد الحاحا بان افعل, نظرت الى وجهي كمن اخبروها ان حبيبها عاد للتو من التجنيد العسكري ,رفعت راسي متأملة وجهي بهدوء غير ابهة لتلك الدمعة المسكينة التي فرت تتجول على ملامحي الحنطية فجأة تذكرت تلك الاغنية التي كنت ارددها قديما:
مرايتي يامرايتي
رح احكي لك حكايتي
قولي لي انا مين؟
انتى انا وانا انتى
مهما كبرتى واتغيرتى
بعيونى انتي الستى
يامرايتى
رح احكى لك حكايتى
قولى لى انو انا
احلى وحده فيهن
انعم وحده فيهن
شوفينى وماتشوفيهن
يامرايتى
تفاقمت رغبتي في البكاء لحنين ارهق القلب واستعمرته الذكرى لكن ∙∙∙ لكن ملامحي كانت في مكانها الصحيح, فقط دمعتي تلك كانت لأجل روحي الفارغة, روحي التي لطالما كانت شفافيتها ترسم على ملامحي ,روحي التي تنزلق مني ببطء رويدا رويدا دون ان الحقها , فتتركني هائمة في متاهة مظلمة تمتصني بلا هوادة ∙∙∙نَأَيْتُ بنفسي عن المرآة ,وتلك الملامح ذات السكون المزيف التي تحتلها ∙فجأة سمعت صوتا حانقا يقول :ألم تستيقظي لحد الآن...متى ستتعقلين يافتاة...
قلت لها بغضب مصطنع :صدقيني أعشق نفسي هكذا
قالت بغضب مخفية ضحكتها الجميلة : لا أعلم مالذي سيفعله بك زوجك المسكين
قلت لها بابتسامة ماكرة :متأكدة انه سيعديني اليك في اول ليلة هيهه∙
كم كانت تضحكها هذه الجملة ,لأنها تعلم انني ضد الزواج في سن مبكر ,في لحظة بدأت تتلاشى ابتسامتي مع تأملي لتجاعيد وجهها ,كانت لحظة كونية وقفت فيها على حقيقة من نوع خاص, خاص جدا جدا , حاولت نكرانها كثيرا, أحيانا كلما كانت رغبتنا اشد للمستقبل نتذكر احتمال فقدان السند الكبير في حياتنا , شعرت بحنين للمس وجهها كما كنت افعل حين كنت صغيرة ,لازالت تلك الأيام تعشعش في ركن جميل في ذاكرتي المتقلبة, كنت استفيق باكرا اجدها نائمة ببشرتها البيضاء فأضع بنصري الحنطي على بشرتها الملساء بعدها اتجه به الى عينيها افتح احداهما فيجرفني لون العسل الصافي بعمقه اللامتناهي ,كان هذا قبل ان يسرقني العمر, وتتقاذفني الحياة بوحشيتها وتعقيداتها وبريقها المزيف ∙∙∙
جمعت غطائي ,ارتديت ملابسي ,جمعت مذكراتي ورسوماتي كلها, نظرت من وراء الباب الى امي وهي تقطع البصل ,قلت بهمس:
والله لا أرى رقة كرقتك يامهجة القلب، ولا حنانا كحنانك، لكن الاحلام طغت يا امي وان البعد والرحيل هو خلاصها ثم تنهدت بصوت العالي قائلة:
انا راحلة يا امي ولن اعود مجددا هذه المرة ,ابتسمت ونظرت لي بهدوئها المعتاد: لا تتأخري ساترك لك الغداء
لم ارد ان اجرحها واقو ل انني سأرحل لأنني لا اريد ان ينتهي بي المطاف وانا اقطع البصل او انظف البيت ∙∙∙ لا اظن اني استحق ذلك ولاهي تستحق, لكنها تفعل كل شيء لأجلنا وانا غير مستعدة لفعل ذلك مع أبناء ارفض نهائيا ان يأتوا لهذا العالم المتوحش , هي امرأة محاربة ومعطاءة لكن روحي انا مستنزفة, ومتصدعة, وهشة جدا رغم ما تظهره للآخرين لا تصلح لتقديم أي شيء فور خروجي لفحتني وريقات الخريف الشاحبة حملت احداها وشعرت بالاسى على الوريقات الأخرى,
قلت في نفسي: هل انا الوحيدة التي ترى في شحوبك جمال ما ايتها الوريقات ,من سيحملك ويحتفظ بك وسط سطور منبوذة كتبت للمكلومين فقط ∙ حملت هاتفي رغبة مني في اخد صورة لكل هذه الأماكن التي تحيط بي ∙∙الوريقات الشاحبة المتبقية ∙∙∙ محل العم سعيد ∙∙∙شجرة الزيزفون الشامخة الشيء الاروع الذي يزين هذا الشارع الكئيب ∙∙∙ثم تلك المرأة المتسولة التي كلما صادفتها نهشني الم من نوع اخر وواقع اشد الم ∙∙∙ودعت كل شيء , ثم اتجهت الى محطة القطار∙
تجمع الراحلون ,رحل من رحل ,ومع كل راكب كانت تفر دمعة من عيناي ∙∙∙انتفضت على صوت السائق الذي سألني ان كنت سأركب ∙ لوهلة لاحت صورتها امام عيني بملامحها البيضاء وتجاعيدها المرسومة بإتقان ,اجبته بالرفض وانا سارحة في تجاعيد اجمل امرأة في الكون فقال مبتسما :
إنك تعذبين نفسك بالمجيء في كل مرة لرؤية الراحلين ,حلمك يتجدر في مقلتيك الهائمتين ,الرحيل يحتاج منا الشجاعة والقوة لمواجهة الحياة الجديدة التي نطمح لها لا شيء يأتي سهلا ,عودي يا ابنتي بعد حين من الزمن سياتي وقتك واذا ما اطال الله في عمري سأوصلك بنفسي حيث الحلم∙
عدت حاملة ثقل مشاعري المختلطة, وفجوة خيبتي تلك تلتهمني دون رحمة سمعت صوتها الحنون يقول: لقد تركت لك الغداء انه ساخن ∙∙∙لم اسمع باقي كلماتها فور ان وضعت راسي على الوسادة تفاقمت رغبتي في البكاء فبكيت ∙∙∙بكيت ضعفي وخوفي وواقعي وانتمائي ومعتقداتي ∙∙∙
⇻⧫⇹⇹⇹⇹⧫⧪⧫⇹⇹⇹⇹⧫⇺
تعليقات
إرسال تعليق