قصة «حادث»، بقلم عمر فتحي دسوقي!

كانت حياتها خاوية إلى درجة تسبب لها الكأبة في بعض الأحيان، ولم يكن ذلك بسبب عزوف الرجال عن الزواج منها، ولكنه بسبب رومانسيتها الزائدة التي تجعلها ترى كل الرجال عبارة عن قطيع من الثيران لا يفقهون شيئاً في الحب ولا فنون الرومانسية والغرام.
حتى أقرانها في الشركة، سواء المتزوجون أو العزاب، حاولوا نيل رضاها السامي فلم يتمكنوا من مجرد لفت انتباهها، فقد كانت غيداء، رقيقة كاسمها، حالمة مثل مراهقة في السابعة عشر، فاتنة مثل أميرات ديزني، ثرية مثل ....حسناً، لقد وصلتك الصورة كاملة.
ولكنها بالرغم من تلك الرومانسية الحالمة، لا يسهل خداعها على الاطلاق، فقد كانت تمتلك بصيرة تمكنها من كشف كل مدع يحاول ارتداء قناع الرقة ليوقع بها في حبائله. لذا، كانت تشعر بيأس وغربة لا حد لهما.
قالت لها صديقتها المقربة سلوى في يوم ما: غيداء! يجب أن تستيقظي من أوهامك! لن تجدي رجل بتلك المواصفات ولا في الأحلام! الا ترين أنني كنت مثلك والأن أنا متزوجة وعندي طفلة جميلة. أنت تضيعين عمرك!
سألتها غيداء في شرود: وهل أنت سعيدة في حياتك؟
أجابتها سلوى في سخرية مريرة: السعادة قرار يا صغيرتي! هل أنا سعيدة لأنه يعبث بأصابع قدميه وهو يشاهد التفاز في المساء؟ كلا بالطبع، ولكنني سعيدة أنه قرر البقاء معي ليشاهد التلفاز بدلاً من الجلوس مع أصدقاؤه على المقهى! بالطبع، لو ذهب مع أصدقاؤه لتمكنت من مشاهدة المسلسل التركي بدلاً من مشاهدة مباراة كرة القدم التي لا أفقه منها شيء ولكنني اخترت الشيء الذي يمكنني أن أسعد بشأنه!
ابتسمت غيداء في سخرية وهي تسألها مرة أخرى: ألم تتمن يوماً لو كف عن العبث بأصابع قدميه وشاهد معك المسلسل التركي؟
هزت سلوى رأسها في قوة وهي تقول: ليس كل ما يتمناه المرء يدركه يا غيداء، المواصفات التي تبحثين عنها موجودة فقط في خيالك.
هزت غيداء كتفيها في حركة معناها "ربما" ولم تواصل الحوار المعتاد.
كانت تقود سيارتها من طراز (بي ام دبليو) على المحور في الطريق إلى القرية الذكية، وهي تقوم بتلك العادة القاتلة، تصفح الهاتف أثناء القيادة، عندما رفعت عينيها لتفاجأ بسيارة مرسيدس حديثة في مواجهتها تماماً.
ضغطت غيداء المكابح بكل ما أوتيت من قوة، حتى شعرت أن قدمها ستخرق أرضية السيارة، ولكن لم يكن هناك مفر من الاصطدام. ارتجت سيارة غيداء بشدة ودارت حول نفسها عدة مرات ثم توقفت على جانب الطريق، وقد أخفى كيس الهواء وجه غيداء وراؤه بعد أن انفتح بفعل الاصطدام. بينما اندفعت السارة المرسيدس إلى الأمام عدة أمتار وقد تهشمت مؤخرتها تماماً، وتوقفت على جانب الطريق. ترجل من المرسيدس رجل في منتصف الثلاثينات، وسيم الملامح، له لحية زادته وسامة، وقوام رياضي ممشوق.
اندفع الرجل نحو سيارة غيداء في جزع، وكاد أن ينتزع الباب المجاور للسائق، بينما كانت الدنيا تدور بغيداء، ولكن ما أن وقع نظرها على الرجل حتى خفق قلبها بشدة، لا سيما عندما رأته يسألها في قلق:
هل أنت بخير؟
هي لم تفه ذلك، لقد دمرت سيارته، وهي المخطئة، ولكنه يريد أن يطمئن عليها؟ هي لم تقابل هذا الصنف من الرجال من قبل! هي تعلم من صديقاتها المتزوجات، أن سيارة الرجل أهم ليده من أولاده غالباً. الدعابة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن الألم الذي يشعر به الرجل اذا أغلقت زوجته باب السيارة بعنف، يعادل ألام الولادة أربعة مرات. ولكنها دمرت سيارة الرجل المرسيدس وهو يريد ان يطمئن عليها؟ كانت غيداء في تلك اللحظة في أوهن حالاتها النفسية، فنظرت إليه مبهورة وأنفاسها تتلاحق: نعم، أنا بخير، شكراً لك.
سألها مرة أخرى في قلق: هل أنت متأكدة؟
أجابته وهي تخفض بصرها للأرض لتتحاشى التحديق في وجهه الوسيم: نعم، الحمد لله.
هدأ قلق الرجل وهو يقول: الحمد لله.
صمت ليتمالك أعصابه ثم انفجر فيها صارخاً:
من الجيد أنك بخير حتى أستطيع أن ألقي بك في السجن! لا أدري في أي مزبلة تعلمت القيادة؟ لقد رأيتك في مرآة السيارة وأنت تتصفحين هاتفك! أي ماسورة مجاري ألقت بك في طريقي؟ سوف تدفعين ثمن استهتارك غاليا أيتها ال......
واندفع من فمه سيل من الشتائم التي لم تعرف غيداء بوجودها يوما ما، فأغمضت عينيها وابتسمت في سخرية مريرة، وهي تفكر: لابد من أنه يعبث كذلك بأصابع قدميه!
تعليقات
إرسال تعليق