التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حجر تشامندرا | ببلولا ツ

قصة حجر تشامندرا، بقلم چاسمين قنديل !

حدث فى زمن بعيد، فى صحراء يعجها الغجر، الأحرار منهم و العبيد، أن كان هناك ذاك الشاب مهران البائس الحزين، لم يعد يحفى بالحياة بما فيها من حلو و مرير، يستعبده سيد احدى القوافل غاوية الرحيل حتى استقروا فى تلك البقعة من البرية تكسوها النخيل و البعير و بئر من المياه  العذب الهدير.

وكحال كل يوم، تنبلج فيه الشمس من جديد، توعد بنهار حافل من المهام بالعديد . استيقظ مهران شامخا قامته مطقطقا عضلاته قبل أن يخرج إلى سادته فيغطس رأسه بين كتفيه و يحدودب كبريائه قبل ظهره يحيهم فى مهانة منتظرا جلد عقبيه لينطلق بأولى مهامه،  فيملأ المياه و يرعى الأغنام و يحلب البعير و خلافه من أعباء العبيد  .

وفى ذات نهار خرج الشاب كعادته لرعى الأغنام يحدثهم و يشاجرهم يشكو إليهم همه تارة و يلقى عليهم النكات تارة أخرى و فى مسيرتهم المديدة شعر الشاب بالانهاك فاستند إلى جذع نخلة خواء  ، أغمض عينيه للحظات ليست بالكثير، لحظتئذ أفاقه شعاع نور مهيب ، يلفح ناظريه كنجم متألق فى غياهب الكحيل فأشاح مهران نظره بعيدا يحمى عينيه بظهر كفه العريض حتة هدأ الضوء الساطع ليكشف عن ذلك الحجر العظيم، مد مهران يده ليكمشه لكنه ابتعد عنه متدحرجا بين كثبان الرمال و الشاب لا يتوانى عن اللحاق بذاك العجاب حتى تسنت له الفرصة و قبض عليه متلبسا فى الحال، حبسه داخل قطعة من قماش يخرج منها النور الساطع و كأنه الشمس فى سماه.

قابله ذلك العراف فى طريق الرجعة فصعق لما اقتر نظره عليه فى  القطعة الرثة فهرول إلى الشاب :
- توقف يا بنى  !
- ماذا بك يا عم  ؟
- أخبرني ماذا تحمل فى تلك اللفة الرثة؟
- لم  ؟
- إنى أستشعر بها أمرا و والله لو أن الأمر صحيح لكنت من المحظوظين يا فتى  .
- محظوظ  ! و أنا  !  كلا يا عم ، لابد أن حدسك خاطىء هاته المرة  .
- كلا  ،  حدسى لن يخطىء أبدا  .
- لابد و أنك لن تتركنى لحال سبيلى إلا و رويت فضولك  .
- أجل  .
- إذن  ،  تفضل  .

فتح له الشاب اللفة الرثة لينطلق منها الحجر المضىء طائرا فى الهواء فهرع من خلفه الشاب و العراف حتى أمسكا به فصاح العراف بغير تصديق  :
- يا إلهى  !  لم أكن أصدق أنى سألتقى به يوما قبل أن يأخذ المولى أمانته  .
- عم تتحدث يا عم  ؟
- تشامندرا، أنا أتحدث عن حجر تشامندرا  .
- و ماذا يعنى تشامندرا أهو حجر كريم  ؟
- إنه حجر السعادة يا بنى، لمن حمله كل الحظ الوفير و راحة البال  و...
- أتعتقد ذلك يا عم  ؟
- بل أنا موقن بذلك و سترى، لكن لا تنسى عمك العراف.
- تتحدث و كأنى سأرث ثروة كبرى و ما لى سوى عبد فقير يجلد كالحمير لتأدية أعماله الشاقة المهلكة  .
- سنرى،  لكن سأعيدها عليك لا تنسى عمك العراف.

غادره الشاب دون اكتراث لحديثه العجيب يحث بعصاه أغنامه على الطريق الصحيح حتى بلغوا أرضهم سالمين.
داهم الشاب أحد فتيان العبيد يهلل فى خفوت  :
- مبارك يا سيدى..  مبارك  .
- ماذا جرى لعقلك يا فتى  ، عن أى سيد تتحدث أنا مهران الشاب العبيد.
- كلا و الله  .

تركه مهران و جد فى خطاه حتى وصل إلى الجمع الملتف حول احدى الخيام  .
ألفى سيده فى صدر الخيمة ممدا شاحب الوجه لا حول له و لا قوة و قد وافته المنية و الأهل من حوله يغسلونه و يلبسونه أفضل الثياب و الزينة ليدفن بها كما هو المعتاد من عاداتهم المتوارثة من الآباء و الأجداد  .

انتبه الجميع إلى ذلك الشاب مهران فى هيئته البالية يحنون ظهورهم فى تحيته فتعجب الشاب أشد العجب حتى قال كبيرهم  :
- يا بنى، لقد توفى سيدك و أوصى بك زعيما للقبيلة من بعده كما أوصى لك بكل ثروته و مقتنياته فضلا عن السماح لك بالزواج من ابنته حور زينة فتيات القبائل و هذا إن أردت طبعا  .

ولشدة صدمة الشاب الذى ظل متسمرا مكانه يجوس بعينيه الجمع من حوله غير مصدقا لما جاءوا به من أنباء تفوق الخيال  .
استحال نظره إلى ذلك الحجر المنير بين يديه يدور بباله  " العراف على حق..  العراف على حق  "
ورث مهران عن سيده و تزوج من ابنته و بات من الأسياد الأشراف تشمله السعادة و الحبور ينام على الفراش الوثير و يأكل من اللحم السمين و له من الفاكهة كل طيب و لذيذ  .

اعتاد كل يوم حينما يصبح و يمسى أن يشكر تشامندرا على ذلك العز الوفير. وفى ذات صباح استيقظ مهران متمهلا،  ثم ذهب ليؤدى ذلك الطقس الذى أوجبه على نفسه فاتجه إلى تشامندرا..  صعق حينما لم يجده مكانه فضرب عينيه ذلك النور الساطع و حالما هدأ قليلا شاهده مهران و هو يخرج من خيمته،  أخذ مهران يركض خلفه لكن الحجر كان يختفى من مكان و يظهر فى الآخر ملوحا بشعاعه كفأر يزاول صائده و فى احدى تلك المرات اختفى الحجر و لم يظهر مرة أخرى  .
صار مهران يركض و يركض يساءل كل من يراه:
- أرأيت حجرا أزرق يصدر عنه نور ساطع ؟
- كلا  .

لم يمل مهران من الركض و البحث على تشامندرا حتى توالت الأيام لتصير أسابيع و أخذت الأسابيع فى التوالى حتى أصبحت شهورا ثم سنوات طوال من الركض و البحث المستمر لم يعرف فيهن صاحبنا للراحة طعم و لا للسعادة وجه  .
اجتاز مهران الصحارى من حوله التى يعرفها و التى لا يعرف لها وجهه حتى قابل قبائل أخرى  و سألهم سؤاله المعتاد  :
- أرأيتم حجرا أزرق يصدر عنه نور ساطع  ؟
- كلا  .
- اذهب من هنا أيها الأبله  .
- يالك من رجل مخبول.

تحمل مهران الاهانات و كسر آماله التى عاش عليها تلك السنوات فى ايجاد حجر سعادته. مر مهران أمام خيمة صغيرة لشيخ عجوز فجلس إلى جانبه طالبا قدحا من المياه و قليل من الاستظلال من الشمس الحارقة فشهق الشيخ و أردف  :
- واخ.. واخ  ،  ماذا حل بك يا بنى  ؟  لم احدودب ظهرك و انحنى خصرك و أنت مازلت فى ريعان شبابك  ؟
- يا شيخنا  ،  إنى لم أعد أستطيع حمل ظلى و لا جر قدمى.
- احكى لى يا بنى  ،  ماذا جرى لك؟
- لقد مضى خمس سنوات و أنا أبحث عن حجر تشامندرا خاصتى  ،  لقد هجرنى و لم أعد أعرف له طريق  .
- ماذا يعنى هذا تشامندرا  ؟
- إنه حجر السعادة  ، منذ أن وجدته و تبدلت حياتى من الاستعباد إلى الحرية و من الفقر إلى الثراء و من الذل إلى السيادة و الاحترام  .
- يا للعجب  !
- نعم إنه حقا عجيب  .
- لم أكن أعنى ذلك الحجر  .
- إذن ماذا  ؟
- اتحدث عن الخمس سنوات التى أضعتها من عمرك تبحث عن حجر  فضلا عن إيجاد سبيل آخر لسعادتك. ألم يخطر لك كم من فرصة لاسعاد نفسك أضعت فى تلك الخمس سنوات  ؟
- كلا، لم أفكر قط فى شىء سوى ذلك جالب الحظ و بعد أن هجرنى لم أعد أعلم كيف ستكون معيشتى و حياتى  .
- يا بنى،  سأقول لك أمرا اجعله حلقة فى أذنك  .
- قل يا شيخ  .
- يا ولدى، ما فاتك لم يخلق لك،  و ما خلق لك لن يفوتك  .
- أتدرى يا شيخنا  !  والله لإنك على حق  .
⇻⧫⇹⇹⇹⇹⧫⧪⧫⇹⇹⇹⇹⧫⇺

الكاتبة⇙ چاسمين السيد قنديل



تعليقات