قصة «السيدةُ المُبَجَّلة»، تقديم حبيبة الشوربجي !
الجزء (3)
فَتَحَ عينيْهِ و شَعَرَ ببعضِ الألمِ في رأسِه ليجدَ نفسَه في بيتٍ آخر، وجدَ سيدةً عجوزَ تجلسُ بجانبِه، ابتسمَتْ ثم قالتْ بذاتِ اللغةِ التي يفهمُها :-
-ما بك يا بُنَيَّ لقد وجدتُك مُلْقى في إحدى الشوارع؟
-انظُري إليَّ هل يُمكنُ أن تُخبريني كُلَّ شيءٍ؟ لستُ بمجنونٍ و لكنْ اخبريني أين نحنُ و ما هذا المكان!
نظرَتْ له بغرابةٍ ثم بدأتْ بالحديثِ قائلةً :-
-نحنُ في العامِ الثاني بعد الألف، في الأرض المُبجلة، تحكمُنا السيدةُ المُبجلة، السِّحرُ مُنتشرٌ للغايةِ هُنا كما أنني ساحرةٌ أيضًا، نحنُ في جزيرةٍ في منتصفِ المحيط..
في اليومِ الحادي عشر من كل شهرٍ تسيرِ السيدةُ المُبجلةُ بموكبِها وَسَطَ تلك الحشودِ وتنحرُ الأسودَ والغِزلانَ تبجيلًا لها لا أكثر، يوجَدْ متحفٌ في باحةِ المدينةِ يتمُّ تحنيطُ كُلَّ من يسقطُ صريعًا في حروبِها التي تُرسلُها في كُلِّ بِقاعِ الأرضِ عبْرَ السفنِ تفعلُ هذا کنوعٍ من أنواعِ التكريمِ، إنها السيدةُ المبجلةُ التي لا تخضعُ لِعقوقٍ ولا تضرعُ لمسروع، المُتمردة، المستعصية، اليانِعة، لا تسمحُ لِأحدٍ بالتَّجَوُّسِ في شِغافِ قلبِها، حاكمةُ القلوبِ فتحكم عليها إما بالبقاءِ أو الفَناء، لا تُستباحُ لِأحدِ قطّ، وإن أردْتَ المَنِيَّةَ عليك أنْ تكونَ جاثيًا صاغِرًا لها، لا تتزوجُ ولا تهتمُّ بِشِيَمِ العَفافِ وما يتفَوَّه به الوشاةُ مِن كلماتٍ دنيئةٍ على تلك العذراء ..
تحكمُ البلادَ کأسَدٍ في غابته، إنها السيدةُ المُبَجَّلة!
كانَ هُناك وميضٌ غريبٌ في عيونِ تلك العجوزِ و هي تتحدَّثُ و لكنَّها استأنفتْ حديثَها وقالتْ :-
-اليومُ أيضًا سَتختارُ خَدَمًا جُدُدًا ليعملوا لديها.
اشتعلَ عقلُ مُصطفى ثم سألَها أين المكانُ فوَصفتْ له الطريق، فهروَلَ سريعًا للمكانِ و قد اشتعلَ عقلُه بتلك السيدة، وجدَ الجميعَ يصتفُّ فَوَقفَ معهُم فرآها ترتجلُ من هوْدجِها واقتربتْ تسألُ كلَّ واحدٍ سؤالًا حتَّى وقَعَ عليه الاختيارُ فوقفَتْ أمامَه شامخةً وقالتْ :-
-مِن أين أنتَ؟
فلمعتْ عيناهُ و همَسَ و هو يرفعُ رأسَه ليتصلَّ بعينيْها و قال :-
-جِئتُ مِن اللامكانِ يا جلالتك .
بَدى التعجُّبُ على وجهِه فهُوَ لا يُشبهُهم، أشارتْ للحُرَّاسِ ليأخذوه إلى القصر، غريبٌ أنْ تختارَه من دونِ كُلِّ هؤلاء ليكونَ خادمَها المُقَرَّب!
كل يومٍ يدخل الغرفة و يقدم لها الطعام وبالمساءِ التينَ والبلحَ المُجفَّف وبعضُ الخمرِ المُستخلَص من البَنجر، كل يومٍ يغفو يحلمُ بها ويستيقظُ فيجدها في هلاوسِه، هل وقعَ في غرامِ تِلك الأفعة البريئة؟
ومتى وكيف؟
تمرُّ الاسابيع والشهور، لا يتحدثُ قَطّ، يختلسُ النظرَ بِطرف عينه عليها، تناسى من يكون ومن أين أتى ..
سألتْه عن اسمه فتجرأ و نظر لعينيها وأخبرها بأنه "مصطفى درويش"
فتبتسمُ وتأمره بأن يصبَّ لها الخمر الذي لا يُسكرها .
لحظة...
إنها اللحظةَ التي تتوقف عندها عقاربُ الساعةِ وتتجمع النجومُ حول بعضِها البعضِ وتهدأ امواجُ المحيط لترى ماذا سيحدث هُنا
توقَّفَتْ لِلَحْظَةٍ وأشاحتْ بوجهها بعيداً ثُم همسَتْ :-
-لا أستطيع التحملَ أكثر مِن هذا
-ما بكِ!
-كُلُّ شئٍ ينهش في جسدي دون رحمة، وأنا أتألم.
التقت كوبَها بعيدًا في عصبيّةٍ وبدأت تهدأ قليلًا و الوهنُ يسري بجسدها رويدًا رويدًا، فـتنهَّدَتْ بتبرُّمٍ ثم قالت :-
-أنا شخصٌ ملعون !
كاد أن يجلسَ بجانبها فاستوقفتْه بِإشارةٍ بيديها فظلَّ بعيدًا و حثَّها علي الإكمال.
-تلك الأرض المبجلة ..حصلْتُ على حُكمها بواسطة السِّحر، ولكن كُلَّ شئ له ثمنٌ و كان ثمنُ تلك الأرضِ باهظًا للغاية .
صمتَتْ لبُرهة ثم اكملت :-
-حَكمَ عليَّ الأسيادُ أن أبقى بدون زواجٍ بدون الاختلاط بالجنس الآخر، وإن حدَث! سَتُدفَنُ تلك المملكةُ تحتَ مياه المحيط!
أصابته الدهشةُ وقد تسمَّرَ مكانَه وعُقد لِسانُه، مُثيرةٌ للشفقة والسُخرية، الملكةُ التي تقعُ في غرامِ خادمِها!
دفنَتْ وجهه بين كفَّيها ثم بدأت بالنشيج، لحظات إلى أن توقفت ونظرت له نظراتٍ غريبة، بدا له بأنها تحوَّلتْ!
قامت بمناداة الحُرَّاسَ سريعًا بهستيريَّة.
"خُذوه"
قالت بحدَّةٍ وكان هو مُتسمرٌ بمكانه، اقتربَ الحراسُ وكبَّلوا يديه للخلف وبدأ هو بالصراخ وإطلاقِ السِّباب يحاولُ التملُّصَ منهم ولكنْ لا يستطيع!
-أنا لستُ مذنبًا ابتعدوا! أنا لا أنتمي إلى هذا المكان!
صرخَ و لحظات إلى أن تلقَّى ضربةً على رأسِه أفقدتْه وعيَه . .
لاستكمال الجزء (4) من قصة السيدةُ المُبَجَّلة ↩ اضغط هنا
⇻⧫⇹⇹⇹⇹⧫⧪⧫⇹⇹⇹⇹⧫⇺
تعليقات
إرسال تعليق