قصة «السيدةُ المُبَجَّلة»، تقديم حبيبة الشوربجي !
الجزء (2)
تقَلَّبَ على جانبهِ الآخرِ حيثُ أصبحَ وجهُه مواجهًا لـضوءِ الشمسِ الذي اخترقَ غُرفتَه.
أطلقَ السّباب ثم قال بِحنق:-
-الم تَكُن تُمطرُ البارحة!
حاول أن يفتحَ عِينيه وقد شعر بالضوء يحرق قرنيته أغلقها سريعًا و حاولَ فتْحَها مرةً أُخرى لتتَّضحَ الرؤية، نظر حوله لـِينتفض بِذُعرٍ وهو يرى نفسَه في بيتٍ غيْرِ بيتِه وسريرٍ غير سريره هل ذهبَ إلى قريته دون أن يَشعُر!
كان أساسُ المنزلِ بَسيطًا، سقفًا من الخوص، والحصير الذي فُرِشَ على الأرضية المَصنوعةِ من الحجر الجيري، تناثرت بعضُ الوسائدِ على الأرض الصالحةِ للجلوس وتتوسطُ الغُرفةَ طاولةٌ صغيرةٌ ترتفعُ شِبريْن عن الأرض.
أين أنا؟
همَسَ وقد شعرَ بِبَعْضِ الدُّوارِ في رأسه، هل هذا نتيجةُ الأسبرين الذي تناوله!
بحَثَ بعينيه عن مخرجٍ من هذا المنزلِ الأشبهِ بالكوخ، حيثُ وجَدَ بابًا في نهايةِ الغُرفةِ هَرْوَلَ إليْهِ سريعًا کالممسوسِ وكأنَّه البوابةُ التي ستُعيدُه إلى عالَمِه .
نَظَرَ حوْله بنظراتٍ تَمَلَّكَ الخوفُ منها عندما رأى أشخاصًا لا يُشبهونَه و تلكَ الشوارعَ والمنازلَ التي لم يعهدْها من قبل.
بدَأَ يسيرُ بخطواتٍ غيرِ مُتزنة، كُلُّ مَن رآهُم يُشبهون بعضَهم البعض، ذات البشرةِ السمراءِ والشَّعرِ الأجعدِ والعيونِ الواسعةِ، الملابسِ التي نُسِجَتْ مِن الكِتَّان ولُوِّنَتْ بألوانٍ زاهية، الشوارعُ نظيفةٌ ومُبلَّطة، تَرى النقوشَ البارزةَ التي نُحِتَتْ على جدرانِ الشوارعِ، تُشبه الرسمةَ التي خطَّطَها مُنذُ قليل!
وَجَدَ رجُلًا أشْيَبَ الشَّعرِ يمرُّ بجانبِه فاستغلَّ الفُرصة فقال له:-
- أين نحن؟
نظر الرجل له نظراتٍ مُشتَّتةٍ كأنه لم يفهمْ ما قِيل له
فـَمَدَّ الرجلُ يديه ومسحَ على رأسِه وهمسَ ببعضِ الكلماتِ ثم نظرَ له وابتسمَ وقال :-
-نحنُ في الأرضِ المُبَجَّلة !
قال بِلُغَةٍ لَمْ يعهدْها مُصطفى و لكنَّه فهمَها وكأنَّ هناك مُترجمٌ بداخلِه يُترجِمُ الكلامَ فيستوعبه عقلُه
سارَ للأمامِ والدهشةُ تتملَّكُه، وَجَدَ الحُشودَ تصتفُّ على الناحيتين مُنكِسين الرأسَ يَردِّدون كلماتٍ ليست مفهومةً ولكنَّها متناغمةٌ تسيرُ مع بعضِها البعض.
وجد موكبًا آتيًا من بعيد، فِيلٌ يَحمِلُ هَوْدَجًا مُزَيَّنًا بالحريرِ والألوانِ الزَّاهيةِ في الخَلْفِ، كان الكثيرُ من الحُرَّاسِ يَحملون السيوفَ و يرتدُون أقنعةً تُشبِهُ الأسودَ و لها قرونٌ کالماموث.
-إنَّها السيدةُ المُبجَّلة، عاشت السيدةُ المُبجلة!
هتفَ أحدُ الرجالِ ليبدأ الجميعُ بِالهتافِ و لكنْ لم يرفعْ أحدٌ رأسَه.
اقتربَ الهودجُ واستطاعَ أنْ يَرى وجهَها الحادَّ، شعرَها الأسْوَدَ القاتمَ، بشْرتَها الخمريةَ ليسَتْ سمراءَ كباقي شعبِها، عيونّا واسعةً تُشبِهُ مغرفةَ الطعامِ، لم يستطعْ أن يُحدَّدَ لونَها ولكنها مُكَحَّلَةً و تمَّ رسمُ خَطَّيْنِ مُستقيمَيْن فوْقَ جِفنيْها، لديها شِفاهٌ مُكتَظَّةٌ وَضعتْ بها اللونَ الأحمرَ الفاقعَ ليجدَ في وجهِهِ عالَمًا آخر، عالمًا سَرْمَدِيًا غريبًا..
تَنحَّى سريعّا عندما التقَتْ عينُها معهُ و تراجعَ للخلفِ وجرى بعيدًا.
تَوقَّفَ عندما رأى بعضَ الجزَّارين يكتفون ببعضِ الغِزلانِ و الأُسُودِ و يقومون بِنحرِها حتَّى تسيلَ الدماءُ و تتوقفُ أسفلَ قَدَمَيْه .
اتَّسعتْ عيناهُ و لحظات إلى أن شعرَ بالدَّوَرانِ و سقطَ مغشيًا عليه!
لاستكمال الجزء (3) من قصة السيدةُ المُبَجَّلة ↩ اضغط هنا
⇻⧫⇹⇹⇹⇹⧫⧪⧫⇹⇹⇹⇹⧫⇺
تعليقات
إرسال تعليق